لعب منتخبنا مباراة واقعية. لم يتهور ولم يستنزف مجهوده أمام منتخب قليل الخبرة، يتحرك كثيرا دون فاعلية هجومية، فنجح حسن شحاتة في استدراجه للهجوم ولم يغامر باللعب المفتوح تحسبا لأي مفاجآت.
ربما ظن البعض أن المنتخب المصري خصوصا في في الشوط الأول أقل من مستواه الذي ظهر به أمام الكاميرون، لكن جهازه الفني بقيادة حسن شحاتة كان أكثر دراية بهذه المباراة التي دخلها الأشقاء السودانيون بلغة التحدي لاثبات الذات، فاستطاع امتصاص حماسهم وجرأتهم وحيويتهم وهو يدري أن الدكة بجانبه تستطيع تغيير كل شئ في الوقت المناسب لما تتميز به من القوة والمهارة.
كان يمكن أن نتقدم من الدقيقة الخامسة لولا أن الحكم لم يحتسب ركلة جزاء واضحة عندما أبعد مدافع سوداني الكرة بيده. ويحسب لحسني عبد ربه أنه كان نجم الشوط الأول بتحركاته الدفاعية والهجومية، فتسبب في ركلة الجزاء مثلما حدث أمام الكاميرون، وتصدى لها مرتين أيضا عندما أعادها الحكم دون أن يفقد تركيزه. ولا أعرف سر اعادة الركلة هذه المرة فقد لعبها مباشرة دون أن يتوقف كما حدث في المباراة الماضية، ولم يكن أحد من زملائه داخل المنطقة لحظة التسديد.
في الشوط الثاني بدأ منتخبنا يجني ثمار خطة جهازه الفني رغم أن المنتخب السوداني ظل على هجماته العنترية غير الخطيرة، والحق أنهم بذلوا ما جعبتهم على قدر امكانياتهم، لكن فكر الأخ مازدا المتواضع عجز عن تطوير أدائهم. نستطيع القول إن المستقبل أمامهم بشرط الاهتمام بهم من الاتحاد السوداني واستقدام خبير أجنبي يقودهم في المرحلة القادمة.
كما توقعنا جميعا لجأ شحاتة للدكة القوية بالدفع بأحمد حسن ومحمد أبو تريكة والثاني كان هو الفهد والجدع والوطني وابن العروبة والاسلام بكل تمثله هذه الصفات من معان. تجلى ذلك للجميع بعد أن أحرز الهدف الثاني عقب نزولة بوقت قصير. لم يرقص هذه المرة رقصة الحمامة كما اعتدنا منه وإنما جرى مسافة قصيرة رفع خلالها قميص المنتخب لنرى تحته رسالة الفارس الرياضي الجنتلمان إلى أشقائنا المحاصرين في غزة.
لا أشك أن غزة الحبيبة كلها رأت هذه اللقطة الكبيرة المعبرة، وصفق لها كل العرب والمسلمين والانسانية جمعاء. فما يحدث في غزة هو اجرام ضد البشر جميعا.. ضد الأديان السماوية والحضارة التي تحترم الانسان وتقدره، لا تقتله جوعا وعطشا كما تفعل الآلة الصهيونية.
الرسالة وصلت أيها الفارس الرياضي الشجاع. جميعا صفق لك.. الصغار والكبار. الجميع تعاطف مع هذه اللقطة حتى الأشقاء السودانيين في الملعب، وقد كافأك الله عليها بالهدف الثاني الرائع الذي سجلته باقتدار الفنان وذكائه ومهاراته.
الناس كلها أحبت عمر فريد (فريدريك) نجم مالي الذي تبرع بنصف مليون يورو لينقذ مسجدا من الهدم في أسبانيا، وتعاطفوا جميعا من منتخب مالي من أجله. واعتقد أن التعاطف سيكون مع تريكة ورفاقه بسبب رسالته الشجاعة أمس التي مست شغاف القلوب وشعرنا بها نسمة نقية شفافة. فما أجمل أن يكون النجم الرياضي قدوة في الوطنية وفي المثل العليا.