تقع هذه القلعة على مسافة 2.5 كلم الى الشمال الشرقي من منطقة البترون على الساحل الشمالي لبيروت. وتبلغ مساحتها خمسمائة متر مربع ويزيد ارتفاعها عن خمسين مترا. تقع على الضفة اليمنى لنهر الجوز جنوب منطقة رأس الشقعة، ويعني اسمها المكان المحصّن فهي تصغير لكلمة مسلّح. أما تاريخها فيبدو ان الروايات حوله متشابكة ذلك ان بعض المؤرخين اعادوا بناء هذه القلعة الى حقبة الصليبيين، فيما استبعد آخرون ان تنتمي الى حقبة ابعد من القرن السابع عشر أي ايام السلطنة العثمانية وذلك استنادا الى تقنيات البناء المستخدمة.
يذكر ان المستشرق الفرنسي ارنست رونان الذي اتى منذ اواسط القرن التاسع عشر الى لبنان مع الحملات الفرنسية وقطن مدينة عمشيت الجبيلية لسنة، لم يرَ في هذه القلعة، اي جزء يعود الى ما قبل العصر الوسطوي. اما مؤرخ العمارة الصليبية بول ديشان فلم ير في البناء، ما يدل على انه من عمل الصليبيين، لا بل انه يعود الى فترة متأخرة.
وعندما مر الرحالة الفرنسي جان دو لا روك بقرب قلعة المسيلحة، اواخر سنة 1689 في طريقه من طرابلس الى البترون، ذكر ما رواه له اهل المنطقة، ان القلعة من اعمال الامير فخر الدين الذي كان في ما مضى امير لبنان. وهذه الرواية التي أتت بعد نحو خمسين سنة على وفاة الامير، تستحق الاهتمام. ذلك انها جاءت على لسان اشخاص ربما كانوا شهود عيان على الحدث. وقد جاء التاريخ عينه على لسان بعض الاخباريين الآخرين. اذ اورد الخوري منصور الحتوني، في سرده احداث سنة 1624، ان الامير فخر الدين «أمر الشيخ ابا نادر الخازن في عمار قلعة المسيلحة شمالي البترون»، فيما اضاف مصدره طنوس الشدياق، عند سرد احداث سنة 1631، اي بعد مرور ست سنوات على «عمارها» ان الشيخ ابا نادر الخازن نفسه اجرى اعمال ترميم في القلعة.
لقد استقرت سنة 1624 تاريخا لبناء القلعة في ايام الامير فخر الدين في ذاكرة الاخباريين كما في ذاكرة الاهالي والشهود. ويؤكد هذا التاريخ احد اكثر الرحالة ثقافة، وهو لودفيك بوركهاردت الذي زار المنطقة في بدايات القرن التاسع عشر واكد ان قلعة المسيلحة حديثة العهد.
في اي حال، ان للقلعة أهمية استراتيجية كبيرة بفضل اشرافها على جزء كبير من الطريق التي تربط منطقة البترون بمدينة طرابلس في الشمال اللبناني. لذلك، اتى بناؤها محصنا منيعا إذ شيدت على صخر بارز وسط وادي نهر الجوز عند ولوجه سهل البترون من الجهة الشمالية الشرقية. وقد فرض شكل الصخر على مهندس القلعة تصميماً معيناً، بحيث ان اسوارها الخارجية تتناغم وحدود الصخر الذي اقيمت عليه. يتراوح عرض جدرانها بين متر ونصف ومترين. وقد استخدمت في بنائها الحجارة الرملية ذات مقاييس متوسطة، رغم وجود بعض الحجارة الكلسية الاكبر حجماً، وهي حجارة يقدّر انها تعود الى منشآت مماثلة اقدم عهدا.
بنيت القلعة على مرحلتين، وهو ما يفسّر تكوينها من قسمين متلاصقين يشكلان وحدة هندسية متناسقة. ويمكن الوصول اليها اما عبر سلوك درب ضيق حفر قسم منه في الصخر أو عبر الدرج. ويؤدي هذه الدرب الى مصطبة صغيرة تفضي الى باب القلعة الرئيسي الذي يعلوه قوس افطس. اما للراغبين في الاطلاع على اجزائها فما عليهم الا زيارتها.
المصدر جريدة الشرق الاوسط