تابع قصة بن لادن
الانقلاب
قرر عزام ان يبقي بن لادن بعيدا عن المواجهات لكي يستفيد من امواله في دعم المجاهدين وخصوصا تنظيم معسكرات التدريب لهم وخلال السنوات الاولى من الثمانينات انتقل بن لادن ليعيش في عدة منازل تقع على شارع "ارباب" الذي يقود الى الجامعة الرئيسية في غرب بيشاور وكان قريبا من شارع "غولشان اقبال " حيث كان مسجد كان جل زائريه من العرب واستخدمه عبد الله عزام مركزاً رئيسياً لتجنيد "المجاهدين"، وهو نفس المكان الذي قتل فيه عبد الله عزام عام 1989 حينما استهدف بسيارة مفخخة وقد اتهم البعض بن لادن بأنه كان وراء هذا الانفجار لان عزام كان قد "انحرف" في مسيرته الجهادية في ذلك الوقت فيما اشار البعض الاخر الى اتفاق حصل بين قلب الدين حكمتيار و ايمن الظواهري للتخلص من عزام... ونفوذه.
انشأ بن لادن عام 1984 "مكتب الخدمات"، وكان من مهماته توفير المال والعتاد للمقاتلين القادمين من انحاء العالم للمشاركة في الحرب الافغانية. وكان مكتب الخدمات يوفر بطاقات السفر والاقامات ورشوة السلطات الباكستانية لغض النظر عن اعمال "المجاهدين" الافغان مهما كانت،واسس المكتب طرقا خاصة لانتقال "المجاهدين" مازال بعضها فعالا حتى يومنا هذا.
وكان بن لادن غالبا ما يسهر يناقش في الاسلام وتاريخ الشرق الاوسط مع من اصبحوا اتباعه، وكان يشعر بالغضب من تصرف البريطانيين مع العرب بعد الحرب العالمية الاولى. ولم يتوان منذ ذلك الوقت عن انتقاد العائلة المالكة السعودية وكيف منحت القوة للوهابية، كما كان دور بن لادن خلال هذه الفترة متابعة مناقشات المتطوعين القادمين من مختلف الاصقاع في الدين الاسلامي، وغالبا ما كانت تلك المناقشات تدور حول سورة (ال ياسين) التي كانت مفتاحا في دراساتهم القرآنية، وفيها وضح النبي محمد رسالته بصورة كاملة والمهمات التي كلفه الله سبحانه وتعالى بها وكان غالبا ما يتحدث عن صلاح الدين الايوبي وقد يكون معتقدا انه كان يحمل جزءا من هذا القائد فيه.
على أرض المعركة
في احد صباحات عام 1986 كان قرار بن لادن المشاركة في الحرب الافغان في الوقت الذي قررت فيه الولايات المتحدة في اواسط الثمانينات زيادة مخصصاتها المالية للجماعات المقاتلة في افغانستان وزاد توافد الشبان العرب الى افغانستان بشكل كبير بعضهم هاربا من حكم القانون والبعض الاخر لمجرد المغامرة فيما اختار طرف ثالث "الجهاد من اجل الاسلام" بكل ما تعنيه الجملة من معنى.
كانت السنوات الثلاث التالية كافية ليكرس بن لادن نفسه قائدا في افغانستان وخلالها انسحب بن لادن من مكتب الخدمات بسبب "اختلافات استراتيجية"، بينما كرس عبد الله عزام عمله في متابعة اللاجئين الافغان و المصابين مقابل تكريس بن لادن لعمله في جلب المتطوعين العرب وتأسيس جماعات خاصة بهم وهي الخطوة التي لقيت معارضة عبد الله عزام وقد تكون قد ادت الى مصرعه فيما بعد بالسيارة المفخخة.
وبعد عشر سنوات قرر السوفيات انهاء احتلالهم لافغانستان وتحول الافغان لمقاتلة بعضهم البعض، والعديد من المقاتلين العرب قرروا ترك المعركة والعودة الى بلدانهم لمواصلة "الجهاد"، وكان بن لادن واحدا منهم بعد ان كان قد شاهد "انتصار" العرب وهم موحدين وعودتهم الى الحديث عن فروقاتهم اثر انتهاء حربهم مع السوفييت، وقد كان عمر بن لادن حينها 33 عاما.
حينما احتل العراق الكويت في الثاني من اب 1990 عرض اسامة بن لادن الدفاع عن السعودية بجلب 12 الف مسلح (بعض المصادر تقول 30000 متطوع)، كان بن لادن يرى ان الرجل الذي انتصر الى الاتحاد السوفيتي قادر على الانتصار على صدام حسين بسهولة، ولكن الحكومة السعودية رفضت العرض ليعارض بن لادن اعتماد السعودية على الولايات المتحدة للدفاع عنها وطالب بانهاء الوجود الاجنبي في المملكة، ومما زاد من تعقيد الامور كان بقاء القوات الاميركية في السعودية رغم انتهاء الحرب وبقاء صدام حسين في السلطة بعدها اثر قمعه للاضطرابات التي حصلت في بلاده.
الأمير الذي اصبح ملكا
في هذا الوقت ظهر الامير عبد الله (ولي عهد الملك السعودي الراحل فهد بن عبد العزيز ال سعود) متحدثا مع المتطوعين عن اهمية الصداقة والوفاء للبلد الذي يعيشون فيه لكن دون ان ينسى مدى الخطر الذي يشكله هولاء على أمن المملكة. وقال الامير عبد الله وقتها " عائلة محمد بن لادن كانت دائما وفية للمملكة. لقد ساعدتنا كثيرا وقت حاجتنا اليه، ونحن على ثقة انه لن يسمح لاي كان ان يؤثر على هذه العلاقة في المستقبل".
في خريف العام 1990 كان الامير عبد الله (الملك حالياً) قد التقى المتطوعين العرب في افغانستان في احد قصوره في الرياض وكان " يمكن ان ترى الغليان في عيني بن لادن" الذي كان حاضراً على ما يقول أحد الذين حضروا الإجتماع. هذا الغليان كان نابعا من ان 300 الف غربي كانوا على ارض السعودية بالقرب من مكة المكرمة والمدينة المنورة ويقومان بحمايتهما في الوقت الذي كانت فيه اخر كلمات النبي محمد صلى الله عليه وسلم تقول انه لايجتمع دينان في الجزيرة العربية.
بدأ بن لادن بتاليب دارسي الاسلام والزائرون من الخليج على حكومته معتمدا على شهرته وقدم محاضرات في العديد من مدن المملكة، مسجلا العديد من الاشرطة ووزعها من خلال المساجد وارسل بالفعل 4000 متطوع الى افغانستان للتدريب وسرعان ما قامت الحكومة السعودية بوضعه تحت الاقامة الجبرية في الوقت الذي كانت فيه عائلته تخشى على علاقاتها مع الحكومة السعودية.
مرحلة السودان... افتح يا سمسم
يقول تقرير الكونغرس الخاص باحداث 11 أيلول: " بمساعدة عدد من افراد العائلة الحاكمة السعودية نجح بن لادن في الخروج من السعودية لحضور حفل خاص في باكستان عام 1991 ولكن ظهر حسن الترابي الذي دعا بن لادن للاستقرار في السودان. وتقول مصادر ان حسن الترابي هو من رتب له الخروج من السعودية وهو ما تم حينما بدأ بن لادن بشراء ممتلكات له في هذا البلد منذ عام 1990 في الوقت نفسه الذي بدات فيه الحكومة السعودية بممارسة ضغوط عليه وسحبت جنسيته عام 1994 وكان رد بن لادن وقتها ان انشئ مكتبا اعلاميا له في العاصمة البريطانية لندن ليقوم بالدعاية ضد النظام الحاكم في السعودية وكان خالد الفواز (ابوعمر ) هو من يديره وكان ابو عمر قد انتقل الى لندن في ذلك الوقت وقد قيل ان الفوزا حاول ايجاد مكان لبن لادن في بريطانيا ليستقر فيها.
اسس بن لادن لنفسه قاعدة قرب الخرطوم بالاستعانة بالسودانيين اللذين شاركوا في افغانستان وكانت مهمته الرئيسية في البداية حماية النظام السوداني وتزوج احدى قريبات الترابي وجنى المال من اطلاق شركان بناء وشركات اخرى لاستثمار السمسم الذي كانت السودان ثالث اكبر منتج له في العالم وبدأت الحكومة السودانية تعاني من الحصار الدولي لها. وكانت هذه احدى الاوراق التي لعبت بمصير بن لادن، خصوصا بعدما أخذت تتابعه" السي أي ايه" في منتصف التسعينات. ومن السودان يعتقد ان بن لادن بدأ باستهداف الغربيين حينما ربطته تقارير في هجوم حصل في 29 كانون الأول 1992 حينما تم تفجير فندق المهر الذهبي في عدن متسببا في مقتل موظف يمني في الفندق الى جانب نزيل استرالي وجرح زوجته.
كان بن لادن قد بنى لنفسه منظمة ذات هيكل صلب في السودان، وفي ذاك الوقت ايضا كان يتنقل عبر جواز سفر خاص بمتطوع قتل في الحرب على افغانستان فيما اختارت السعودية الابتعاد عنه بكل الطرق.
ويقول الوزير السعودي غازي القصيبي :"لقد قرأت تقارير تقول ان ثروته وصلت الى ما بين 300 مليون دولار الى 400 مليون دولار في ذلك الوقت ولكن هذا ليس صحيحا، لقد كانت المملكة تحرص كل الحرص على ألا يصل منها اي دعم في اي شكل له".
كانت رؤية الحكومة السعودية صحيحة، وقد تكون تلك الرؤية تسببت باول انفجار تم فيه لوم بن لادن (الذي يبدو انه انتقم) وذلك عام 1995 عندما اعترف اربعة افغان في فيديو بثته الحكومة السعودية بمشاركتهم في الهجوم، وبعد عام منه استهدفت ابراج في الخبر وكان الملام بن لادن ايضا.
وفي العام نفسه بدأت السودان تضيق ذرعا بضيفها بن لادن، ليتصل حسن الترابي بسفير السودان في افغانستان عطية بداوي المستقر في بيشاور، وكان قد تعلم اللغة البشتونية حينما كان يقاتل مع الافغان ضد الروس ولديه علاقات ممتازة مع المجاهدين السابقين من تلك الايام، واستخدم اتصالاته ليقنع القادة في جلال اباد بأن غنياً سعودياً يريد منهم حمايته ويمكن لامواله ان تعكس مجريات المعركة لتصب في مصلحتهم، فقرر القادة الثلاث الذين توفوا فيما بعد السفر الى السودان من اجل اللقاء ببن لادن ودعوته للعودة الى "ارض الجهاد". .