اللعنة الأبَدية
(الجزء الأول)
ليل أسود..نجوم ظلماء.. بدر تحجبه الغيوم .. فضاء غامض
تأملتهم مرارًا وأنا أحتسي كوبا من الحليب الدافئ قبل النوم..كنت أتأمل سواد الليل الذي يقطع ظلمته نور كئيب يطل
من وراء السحب..أتأمل غموض الكون الذي لم أعد راغبًا بالحياة في ربوعه..
فجأة..سمعت صوتًا حنونًا قطع انسجامي مع تلك النجوم التي تنظر إلي باستحياء..نعم..كان صوت أمي وهي تهمس
بصوت مسموع :حان وقت نومك ياصغيري ..لقد بلغت الخامس والعشرين من عمري ومع ذلك لازلت صغيرًا في
نظرها..
فتحت باب غرفتي المعزولة لأرى سريرا دافئًا يدعوني للارتماء في أحضانه اتجهت إليه لأغمض عيني وأرتاح من
يدري قد تكون الراحة الأبَدية..
تذكرت..لابد أن أطفئ هاتفي المحمول حتى لا يزعجني أثناء ساعات الموت الأصغر..ولكنه صمم ألا يدعني وشأني
فأخذ يصيح منبئًا باتصال شخصٍ ما..
ماجد:إنها الواحدة بعد منتصف الليل.. حقًا أنت مزعج
محمد:لابد أنها فرصة العمر ياصديقي..
ماجد:عمّ تتحدث !!
محمد:إنه وقت تحقيق الأحلام..
ماجد:تحقيق الأحلام!! دعني أحققها في المنام يارجل
محمد:ليس وقت النوم الآن..ألقي بالأحلام جانبًا وتعال معي نعيش الواقع..الواقع الذي طال انتظاره
ماجد:وأي واقع؟!
محمد: الليلة هي التي سنزور فيها القصر المهجور..القصر المهجور الذي طالما حلمنا بزيارته..
ماجد:القصر المهجور!! هل تمزح
محمد:وهل ترى أن الأمر يقبل المزاح..!
ماجد:ولكني لست مستعدًا لمثل هذه المغامرة
محمد: وهل ستترك الثروة يارجل !!
ماجد:لا..ولكن...
محمد:دعك من هذا الآن ولاقيني في المقهى بالقرب من منزلنا ..فورًا
وأغلق السماعة ليترك في نفسي فراغًا كبيرًا مصحوبًا بدهشة تزاحمها أفكار مستقبل مجهول ..
هل يُعقل أن تكون هذه الجمل هي آخر كلمات مركبة أستطيع صياغتها ..
قطعت أفكاري على الفور.. وغيرت ملابسي ..
قبل أن أنطلق لمكان اللقاء..رأيته في انتظاري على طاولة بعيدة عن المارّة ليقول في لهفة:القصر المهجور ..القصر المهجور ياماجد..
ماجد:مابه!!
محمد:سوف ننطلق لزيارته..
رنت هذه الجملة في مسمعي أكثر من مرة ترافقها نبضات سريعة لقلب لم يعهد هذا الخوف من قبل ..
وأردف محمد قائلا:وأخيرًا..أخيرًا سنحقق أحلامنا ياماجد..
ماجد:أوتظن الأمر بهذه السهولة ؟؟ ألم تسمع بما حصل لكثر قبلنا..
محمد:هي فرصة العمر فلا تضيعها ياصديقي..
ماجد:ولكن..
محمد:لتعلم أني ذاهب في كلتا الحالتين..
ماجد:سأذهب..
قالها بتصميم محلًّى برهبة من القادم المجهول...
على بعد1000كلم..يكمن ذلك القصر الذي سمعنا عنه الكثير..والتي من أشهر حكاياته:
كان هناك ملك ثري يعيش وزوجته في قصر فخم واسع غاية في الجمال..كانا يملكان ثروات هائلة في ذلك
القصر..كانت حياتهما سعيدة هانئة يملأها الحب ويكسوها الرخاء ويحيط بها الأمان..ولكن مشكلة صغيرة ذات حيِّز
كبير كانت تعكر مجرى تلك الحياة .. وهي العجز..نعم العجز..كانت الملكة عاجزة عن الإنجاب..مما حدا بزوجها-
الذي يترقب وريثه وحاكم البلاد-أن يتزوج من إحدى وصيفات زوجته ..ذات وجه حسن ومحيًا بشوش..حيث كان
يراها عند كل وجبة له مع زوجته..أو سهرة له مع أصحابه...تزوجها دون علم الملكة التي آلمها بعد زوجها عنها
وإهماله لها.
وفي ليلة ظلماء باردة..تأخرت الوصيفة عن تفقد سيدتها..التي هرولت مسرعة إلى غرفتها ..قبل أن تفتح الباب وترى
مالم يكن بالحسبان..رأت وصيفتها بجوار زوجها الملك بينهما طفل لم يكمل سنة من عمره..
لم يكن الوقت كافيًا لتقف الملكة دون حراك من هول الموقف ثم تذهب لغرفتها باكية-كما يحدث في القصص
والروايات بل إنها سارعت بإخراج سكين من جيبها قد اعتادت حملها منذ الصغر لتغرسها دونما رحمة في قلب طفل
بريء ذنبه الوحيد أنه ابن ملك خان زوجته ..قتلته ..نعم قتلته..قتلته لتحرق قلب أمه الذي تفطر هي ترى فلذّتها
مقتولا أمام عينيها التي تصلبت الدموع فيهما..قتلته أمامها حتى تموت روحها قبل أن يواجه جسدها المصير
نفسه..حيث أنها قطعت شرايين عنقها بعد أن شوهتها بالظافر الطويلة التي تملكها..
أما الملك فهو لا يجرؤ على النطق بحرف أمام الملكة التي اكتشفت أمره ..ولكنها اكتفت بكسر زجاجة على رأسه
كانت بالجوار وغرس ماتبقى من الزجاج المكسور في ساقه التي تمزقت وكان ذلك سببًا في تلوث جرح قديم وكان
المصير الوحيد هو الموت ..الموت..ولاشيء إلا الموت
لم يطفئ ذلك نار الحقد التي اشتعلت في قلبها حيث أنها دفنتهم ..دفنتهم بيدها في حديقة القصر التي تحولت إلى
مقبرة..
ودفنت ممتلكات القصر من ذهب وفضة وألماس ولؤلؤ ونقود وأوراق لشراء أراض من نواحي البلاد وغيرها من
الثروات..دفنته في ناحية من نواحي القصر لا يعلمها غيرها..
كما أنها لم تنسَ وضع خريطة تدل على مكان الثروات في إحدى غرف القصر..
فعلت ذلك لأنها أيقنت أنه لابد لهذه الأموال من شخص يملكها إذا طال الأمد..
كان كل ذلك قبل أن تصرف الجند والجواري..وتعيش وحيدة فريدة ..لتعيش حياة مليئة بالمخاوف..حيث كان كابوس
القبور هاجس أحلامها في تلك الغرفة الكبيرة الموحشة ..لم تعد تقطن في مأمن..بل كانت تقطن في قصرٍ قد حلّت
عليه لعنة القبــــور....
هذا هو ما عرفناه عن هذا القصر التي لم يعد لصاحبته أثر في حياتنا على الإطلاق حتى اليوم..
محمد:حان الوقت ياماجد..
ماجد:بالتأكيد أنك تعلم بأن دخولنا القصر سبب في عدم خروجنا منه..
محمد:أعلم..
ماجد:إذن!!
محمد:أنا مصمم..
ونزل من السيارة مهرولا لحقت به مناديًا:تمهّل....
تنهد محمد وهو ينظر إلى القصر عن بعد:هذا مصيري..
ماجد:ومصيري أيضًا..
قالها بحزم بعد أن تلاشى الخوف من قلبه ربما لوجود من يشاركه ذات المصير..
ابتسم محمد قائلا:هيـــــــــــا..
كانت خطوة جريئة .. حازمة ..قد تكون جنونية ...أن ندخل قصرًا لم يخرج من أي شخص فكر في دخوله..
ومع ذلك دخلته..نعم دخلته..دخلته أترقب المجهـــــول...
قصر فخم..أسوار عالية مهشمة..بوابة من الحديد التالف..
تأملتهم للحظات قبل أن يمد محمد يده ليفتح البوابة الشاهقة..
محمد يحاول فتحها:يالها من بوابة!!
ماجد تعلوه ابتسامة ساخرة:أعجزت عن فتح بوابة..!
قالها وهو يتجه لمساعدته في فتحها..حقًا كانت ثقيلة .. ثقيلة جدًا ..ولكنهما دفعاها بأقصى ما يملكان من قوة ..قبل أن
يقعا على وجهيهما داخل القصر .. في حين أُغلقت البــــوابة.......
يتبـــع.....